درس الحقيقة : معايير الحقيقة

درس الحقيقة  : معايير الحقيقة


 


1-        معيار البداهة 

ينطلق ديكارت من تأكيد أن المعرفة الواردة عبر الحواس مدعاة للشك ، لأنها كثيرا مما تخدعنا :كما الحال في الأحلام و الخدع البصرية...لكن ألا توجد حقائق يستمدها العقل من ذاته؟
فإذا اتجهنا إلى الحقائق الرياضية ،نجد أن 2+2=4  ،و وتر المثلث يساوي تربيع الضلعين الآخرين ،مثل هذه الحقائق هي حقائق بديهية حسب ديكارت معطاة للعقل بشكل مباشر ،و كما يقول ديكارت :" سواء أكنت مستيقظا أو نائما فإن مجموع اثنين و ثلاثة هو دائما خمسة و المربع له دائما أربعة أضلاع .إن مثل هذه الحقائق الواضحة لا يمكن أن يعتريها الخطأ و الشك " من ثم فالبداهة يحددها ديكارت انطلاقا من ثلاثة معايير:
1-        حنى تكون الحقيقة أكيدة ،لا بد أن تنجح في امتحان الشك المنهجي
2-        الوضوح : أن تكون جلية عندما لكل عقل يقظ
3-        التميز :و معناه أن تكون محددة و مختلفة عن باقي الحقائق.
لكن السؤال المطروح على هذا المعيار الذي دافع عنه ديكارت هو : أليس معيار البداهة قريب من معاني الشعور و العاطفة مما يجعله معيارا نسبيا ؟ و أيضا هناك أشياء تبدو لنا بديهية رغم أنها خاطئة ،لأن أحكامنا تخضع أحيانا لبعض الأحكام المسبقة و الآراء الشائعة.



يقول كانط kant : "إن قول الحقيقة واجب  يتعين اعتباره بمثابة اساس و قاعدة لكل الواجبات التي يتعين تأسيسها و إقامتها على عقد قانوني ،و لأن القانون ،إذا ما تسامحنا فيه و لو بأقل استثناء ممكن ،فإنه سيصبح قانونا متذبذبا و مبتذلا ."
أطروحة كانت kant  :
إن قيمة الحقيقة حسب كانت هي قيمة أخلاقية ،إنها واجب أخلاقي  و معنى الواجب : حسب كانت : " ضرورة انجاز الفعل – و هنا قول الحقيقة – احتراما للقانون ،و صفة هذا القانون أنه كلي : أي صادق بالنسبة إلى جميع الأحوال بدون استثناء. غير خاضع لأي  نوع من المساومة أو التذرع بأي سبب يفرض على الإنسان الإخلال به ،مهما كانت الإكراهات و المصاعب و الملابسات : ذلك لأن الكذب حسب كانت ليس ضارا بشخص بعينه بل ضار بالإنسانية جمعاء ،لذلك على الإنسان أن يعمل بحيث يعامل الإنسانية في شخصه و في الأشخاص الآخرين كغاية و ليس كوسيلة. كما أن الكذب عل شخص معين دليل على عدم احترامه و عدم الإحساس به و  بكرامته حيث ينظر إليه و كأنه غير أهل لمعرفة الحقيقة
لكن يبقى السؤال : هل يمكن قول الحقيقة دائما ؟و هل يتقبل الناس الحقيقة كل الحقيقة رغم قيمتها ؟ أوليس الحقيقة تؤلم من اعتاد العيش في الأوهام ؟ ثم أليس هناك فرق بين الاعتقاد بالحقيقة و التصريح بها كما عبر عن ذلك الفيلسوف المصري عبد الرحمان بدوي : »لا أقول إلا ما أعتقد أنه الحق ولكنّي لا أصرّح بكل ما أعتقد أنه حق  «..
تعريف الفيلسوف كانت
إمانويل كانت (22 أبريل 1724 - 12 فبراير 1804) فيلسوف وعالم ألماني برز في المجالات التالية :  ( فيزياء فلكية، رياضيات، جغرافية، علم الإنسان)من بروسيا، اعتبرَ عموماً أحد أكثر المفكّرين المؤثرينِ في المجتمع الغربي والأوروبي الحديث والفيلسوفِ الرئيسيِ الأخيرِ لعصر التنويرعرّفَ كانت التنوير، في مقالته الفائزة ما هو التنوير؟ ، على أنه عصر تشكل تحت شعارِ : "الجرأة من أجل المعرِفة". مما نمى نمط من التَفْكير الداخلي خال من قواعد السلطة الخارجية,

المعيار : علامة تمكن من تمييز شيء عن شيء آخر ،أو مفهوم عن مفهوم آخر
خاصية نستطيع بها أن نصدر حكما على موضوع ما
و بمعنى خاص نقصد بمعيار الحقيقة : ذلك الذي يجعلنا نميز بشكل واضح و جلي الحقيقة عن خطأ.
1-        معيار الترابط المنطقي
عندما نتحدث عن  معيار الترابط المنطقي ،فإننا نقصد متوالية من القضايا و الاستنتاجات ليس بينها أية شبهة تناقض. فإذا أخذنا القياس المشهور :" كل إنسان فان ، سقراط إنسان ، إذن سقراط فان "ففي اللحظة التي نؤكد فيها أن كل إنسان فان ،أن سقراط إنسان ،فلا يمكن إلا أن نثبت أن سقراط أيضا فان ،و هذا يعتبر دليلا أن الترابط المنطقي يعد معيارا لصحة أفكارنا.
لقد رفض " كانط " وجود معيار كوني لحقيقة ذو طبيعة مادية ،لكنه بالمقابل قبل و أقرٌ بوجود معيار صوري للحقيقة –أي متعلق بالترابط المنطقي-"لأن الحقيقة الصورية تكمن في مطابقة المعرفة لذاتها ،بغض النظر عن الموضوعات و عن أي اختلاف بينها " كما يقول 
أقليدس          Lobatchevski
                     

و يعد البرهان صحيحا إذا لم يقع في أي تناقض ،لأن صلاحيته هي صلاحية صورية لا تهتم بمحتوى القضايا التي تستدل عليها بقدر ما تهتم بعدم الوقوع في أي تناقض.ففي الرياضيات مثلا : معيار الترابط المنطقي كاف لضمان صحة القضايا الرياضية ،لهذا مثلا نجد هندسة "أقليدس"بسطحها المستوي تخالف هندسة "لوباتشفسكي"lobatchevski  بسطحها المقعر ، و مع ذلك فكلهما صحيحتان.
و خلاصة القول :أن معيار الترابط المنطقي ،و لإنه معيار صوري خالص فإنه يصدق على الأنساق الفرضية الاستنتاجية ،لكنه يظل غير كاف لوحده في المجال التجريبي.


تعليقات